بَـــابُ السّــوَاك
السواك: بكسر السين، اسم للعود الذي يُتَسَوًكُ به، وللفعل الذي هو دَلك الأسنان بالعود أو نحوه، لتذهب الصفرة والأوساخ، وليطهر الفم ويحصل الثواب.
مناسبة ذكره هنا، أنه من سنن الوضوء ومن الطهارة المرغب فيها.
فهو أحد أبواب ” كتاب الطهارة ” المتقدم.
وفيه من الفوائد ما يفوت الحصر من النظافة، والصحة، وقطع الرائحة الكريهة، وطيب الفم، وتحصيل الثواب، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول
عن أبِي هريرة رَضِي الله عَنْهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لَوْلاَ[1] أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي لأمَـرْتُهُمْ بِالسَّـوَا كِ مَعَ كُلِّ وُضـوءٍ عِنْدَ كُل صَلاةٍ ” متفق عليه.
المعنى الإجمالي:
من كـمال نصـح النبي صلى الله عليه وسلم ومحبتـه الخير لأمته، ورغبته أن يلجوا كل باب يعود عليهم بالنفع لينالوا كـمال السعادة، أن حثهم على التسوك.
فهو صلى الله عليه وسلم لما علم من كثرة فوائد السواك، وأثر منفعته عاجلا وآجلا، كاد يلزم أمته به عند كل وضوء أو صلاة.
ولكن -لكـمال شفقتـه ورحمتـه- خاف أن يفرضه الله عليهم، فلا يقوموا به، فيأثموا، فامتنع من فرضه عليهم خوفاً وإشفاقاً. ومع هذا رغبهم فيه وحضَّهم عليه.
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب السواك وفضله، الذي بلغ به درجة الواجبات في الثواب .
2- تأكد مشروعية السواك عند الوضوء والصلاة قال ابن دقيق العيد: السر أنا مأمورون وكل حالة من أحوال التقرب إلى الله عز وجل إنما تكون في حالة كمال النظافة لإظهار شرف العبادة. وقيل: إن ذلك الأمر يتعلق بالملك فإنه يتأذى بالرائحة الكريهة. قال الصنعاني : ولا يبعد أن السر مجموع الأمرين المذكورين لما أخرجه مسلم من حديث جابر ” من أكل الثوم أو البصل أو الكراث، فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم “.
3- فضل الوضوء والصلاة، المستعمل معهما السواك.
4- إنه لم يمنع من، فرض السواك إلا مخافة المشقة في القيام به.
5- كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته،وخوفه عليهم.
6- إن الشرع يسر لا عسر فيه، ولا مشقة.
7- أن درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح.
وهذه قاعدة عظيمة نافعة جدا. فإن الشارع الحكيم ، ترك فرض السواك، على الأمة مع ما فيه من المصالح العظيمة، خشية أن يفرضه الله عليهم فلا يقوموا به فيحصل عليهم فساد كبير، بتركِ الواجبات الشـرعية.
الحديث الثاني
عن حُذَيْفَةَ بْن الْيَمانِ قَالَ: كَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ من الليل يَشُوصُ[2] فاه بِالسوَاكِ.
قوله ” يشوص ” بفتح الياء وضم الشين المعجمة المهملة ، والشوص ذلك الأسنان بمسواك عرضا . المعنى الإجمالي:
من محبة النبي صلى الله عليه وسلم للنظافة وكراهته للرائحة الكريهة، كان إذا قام من نوم الليل الطويل الذي هو مظنة تغير رائحة الفم، دلك أسنانه صلى الله عليه وسلم بالسواك، ليقطع الرائحة، ولينشط بعد مغالبة النوم على القيام، لأن من خصائص السواك أيضا التنبيه والتنشيط.
ما يؤخذ من الحديث
1- تأكد مشروعية السواك بعد نوم الليل. وعلته أن النوم مقتض لتغير رائحة الفم، والسواك هو آلة تنظيفية، ولهذا فإنه يسن عند كل تغير.
2- تأكد مشروعية السواك عند كل تغير كريه للفم، أخذا من المعنى السابق.
3- مشروعية النظافة على وجه العموم، وأنها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن الآداب السامية.
الحديث الثالث
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ أبي بَكْر الصديق رَضيَ الله عَنْهُمَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأنا مُسْنِدَتهُ إِلى صَدْري -وَمَعَ عَبْدِ الرحْمنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بهِ- فَأبَدهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ، فَأخَذْتُ السوَاكَ فَقَضِمْتُهُ وَطَيبتهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستنّ به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَاناً أحْسَنَ مِنْهُ. فَمَا عَداَ أنْ فَرَغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ أوْ إِصبَعَهُ- ثم قال : “في الرَّفيقِ الأعلى” ثَلاثاً، ثُم قضى عَليهِ.
وكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتي وذاقِنَتى.
وفى لفظ: فَرَأيتهُ يَنُظُرُ إِلَيهِ، وَعَرَفْتُ أنَّهُ يُحِـب السوَاَكَ فَقُلْتُ: آخُذُه لَك؟ فَأشَارَ بِرأسِهِ: أن نَعَمْ.
هذا لفظ البخاري، ولـ “مسلم” نحوه.
غريب الحديث:
1- “يستن به” يُمِرُّ السواك على أسنانه، كأنه يحددها.
2- “فأبده” بتخفيف الباء الموحدة، وتشديد الدال، مدَّ إليه بصره وأطاله.
3 “بين حاقنتى وذاقنتى” “الحاقنة” ما بين الترقوتين وحبل العاتق “الذاقنة” طرف الحلقوم الأعلى.
4- “فقَضِمته” بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة كذا ضبطه ابن الأثير وغيره ، أي مضغته بأسنانها، ليلين.
و “القضم” بأطراف الأسنان و”الخصم” بالفم كله.
المعنى الإجمالي :
تذكر عائشـة رضي الله عنها قصةً تبين لنا مدى محبة النبي صلى الله عليه وسلم للسواك وتعلقه به
وذلك أن عبد الرحمن بن أبى بكر- أخا عائشة- دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في حال النزع ومعه سواك رطب، يدلك به أسنانه.
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم السواك مع عبد الرحمن، لم يشغله عنه ما هو فيه من المرض والنزع، من محبته له، فمذَ إليه بصره، كالراغب فيه، ففطنت عائشـة رضي الله عنها فأخذت السواك من أخيها ، وقصت رأس السواك المنقوض ، ونقضت له رأساً جديداً ونظفته وطيبته، ثم ناولته النبي صلى الله عليه وسلم، فاستاك به.
فما رأت عائشـة تسوكاً أحسن من تسوكه.
فلما طهر وفرغ من التسوك، رفع إصبعه، يوحد الله تعالى، ويختار النقلة إلى ربه تعالى، ثم توفى صلى الله عليه وسلم.
فكانت عائشة رضي الله عنها مغتبطة،وحق لها ذلك، بأنه صلى الله عليه وسلم توفى ورأسه في صدرها.
ما يؤخذ من الحديث:
1- الاستياك بالسواك الرطب.
2- إصلاح السواك وتهيئته.
3- الاستياك بسواك الغير بعد تطهيره وتنظيفه.
4- العمل بما يفهم من الإشارة والدلالة.
5- الرفيق الأعلى: هم المشار إليهم في سورة النساء وهم { الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين }.
عَنْ أبِي مُوسَى الأشعري رضِىَ الله عَنْهُ قاَل : أتيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهُوَ يَستَاكُ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ[3] قَالَ وطَرَف السوَاكِ عَلى لِسَانِهِ، وَهو يَقُولُ: أُع أُع، وَالسوَاك في فِيهِ كَأنَهُ يَتَهَوَّع.
غريب الحديث:
1- “أُع أُع” بضم الهمزة وسكون المهملة. حكاية صوت المتقىء، أصلها هع هع، فأبدلت همزة.
2- “كأنه يتهوع” التهوع، التقيؤ بصوت.
المعنى الإجمالي
يذكر أبو موسى الأشعرى: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يستاك بمسواك رطب، لأن إنقاءه أكمل، فلا يتفتت في الفم، فيؤذى، وقد جعل السواك على لسانه، وبالغ في التسوك، حتى كأنه يتقيأ.
ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعية السواك بالعود الرطب. وأن السواك من العبادات والقربات.
2- مشروعية المبالغة في التسوك. لأن في المبالغة كمال الإنقاء.
3- أن يستعمل السواك في لسانه، في بعض الأحيان.
[3] هذا لفظ البخاري ولفظ (مسلم). دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه هـ، يذكر الصفة، وكذا حرره عبد الحق في كتابه (الجمع بين الصحيحين)
بَـــابُ السّــوَاك
No comments:
Post a Comment